في ركن صغير من جنوب شرق آسيا، حيث تتلاقى الحداثة مع النظام، والصرامة مع الجمال، تقع مدينة لا تشبه غيرها... مدينة تُضرب بها الأمثال في النظافة والانضباط. إنها سنغافورة، المدينة التي تحوّلت من مستعمرة فقيرة إلى واحدة من أنظف وأجمل مدن العالم.
بداية القصة: من الفوضى
إلى النظام
لم تكن سنغافورة دومًا على
ما هي عليه اليوم. فبعد استقلالها عام 1965، واجهت تحديات اقتصادية واجتماعية
كبيرة. لكن رئيس الوزراء المؤسس لي كوان يو آمن بأن النظافة ليست مجرد
مسألة جمالية، بل رمز للحضارة وأساس للنجاح.
بدأت الحكومة بتنفيذ خطة
شاملة لتحويل سنغافورة إلى "مدينة الحدائق". لم تقتصر الخطة على تنظيف
الشوارع، بل شملت تغيير سلوك الناس، وفرض قوانين صارمة تشمل كل ما له علاقة
بالنظافة العامة.
قوانين صارمة... ولكن
فعالة
في سنغافورة، رمي علكة
على الأرض قد يكلّفك غرامة مالية ضخمة، بل وحتى عقوبة السجن أو الجلد في بعض
الحالات المتكررة. يُمنع التدخين في معظم الأماكن العامة، ويُحظر البصق أو رمي
النفايات على الطرقات.
لكن الغريب أن سكان المدينة
لا يرون هذه القوانين تقييدًا، بل يعتبرونها سرّ نجاح مدينتهم. فقد اعتاد الجميع على احترام النظام، وصارت النظافة جزءًا من الهوية
الوطنية السنغافورية.
ليست النظافة فقط في
الشوارع
اللافت في سنغافورة أن
النظافة لا تقتصر على الطرقات والأماكن العامة، بل تمتد إلى كل شيء: الهواء،
المياه، وسائل النقل، وحتى السلوك الفردي. الحدائق
الخضراء تنتشر في كل مكان،
والمباني تُنظّف دوريًا، ووسائل النقل الجماعي تُعقّم بانتظام.
كما تعتمد المدينة على
تقنيات حديثة في إدارة النفايات، وإعادة التدوير، وتحلية المياه، مما يجعلها
مثالًا عالميًا في التنمية المستدامة.
درس من سنغافورة للعالم
سنغافورة لم تصبح أنظف مدينة
في العالم صدفة، بل نتيجة إرادة سياسية، وثقافة عامة، واستثمار في الوعي
والتعليم. إنها دليل حيّ على أن التحضر لا يكون فقط
في الأبراج العالية أو التطور الاقتصادي، بل في أبسط التفاصيل... في نظافة شارع،
في احترام قانون، وفي غرس حب الجمال في النفوس.
سنغافورة، المدينة التي تشبه
الحلم، تروي لنا قصة بلد قرر أن يبدأ من النظافة... فبلغ القمة.
