مدينة كاشغرحيث يلتقي الشرق بالغرب

 



في أقصى غرب الصين، عند تخوم جبال تيان شان وفي حضن الصحراء العظمى، تقبع مدينة كاشغر، كأنها قطعة من الزمان نُسيت في ركن من أركان الأرض. مدينة غريبة بكل المقاييس، لا تشبه المدن الصينية المعهودة، بل تبدو كأنها نُسجت من حكايات طريق الحرير، حيث تعانق العراقة الغموض، وتتمازج الثقافات كما تتلاقى الرياح عند مفترق الصحارى.

كاشغر ليست فقط مدينة، بل أسطورة حيّة. أزقتها الضيقة تنبض بروح التاريخ، وأسواقها تعج بأصوات التجار، وعبق التوابل، وألوان الأقمشة التي تخطف الأنظار. وجوه سكانها، من الإيغور المسلمين، تحمل ملامح الشرق والغرب معًا، وعيونهم تحكي قصص قوافل، وتاريخًا طويلًا من التجارة والمقاومة والهوية.

أغرب ما في كاشغر، أنها مدينة صينية ولكنها لا تُشبه الصين. فهندستها المعمارية أقرب إلى مدن الشرق الأوسط، ومآذنها تشقّ السماء بأصوات الأذان، ومنازلها الطينية تبدو وكأنها نُسجت من دفء الصحراء وسكون الليل. فيها يسير الماضي إلى جانب الحاضر، فلا تعجب إن رأيت هاتفًا ذكيًا في يد رجل يرتدي عمامة تقليدية، أو دراجة نارية تمرّ أمام مسجد بُني منذ قرون.

ورغم محاولات التحديث والتغيير، تظل كاشغر عصيّة على النسيان. فيها تكمن روح لا يمكن محوها، مهما تبدّلت الواجهات وتغيّرت السياسات. إنها مرآة لتاريخ غني، وشاهد على حضارة قاومت الزمن، واحتفظت بفرادتها في قلب بلد مترامٍ الأطراف.

كاشغر، المدينة التي تُشبه الحلم، تُذكّرك بأن العالم أوسع وأعمق مما نراه، وأن في زواياه البعيدة مدنًا تنبض بالحكايات، تنتظر من يصغي إليها، ويمشي في دروبها القديمة بعيون مندهشة وقلب مفتوح.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

اعلان اخر المقال

نص تصميم
تصميم وتطوير - دروس تيك
نص تصميم